الفرق بين الاحساس والادراك
على ما قال أبوأحمد أنه يجوز أن يدرك الانسان الشيء وإن لم يحس به، كالشيء يدركه ببصره ويغفل عنه فلا يعرفه فيقال إنه لم يحس به، ويقال إنه ليس يحس إذا كان بليدا لا يفطن، وقال أهل اللغة كل ما شعرت به فقد أحسسته ومعناه أدركته بحسك، وفي القرآن \" فلما أحسوا بأسنا \" وفيه \" فتحسسوا من يوسف وأخيه \" أي تعرفوا بإحساسكم.وقال بعضهم: إدامة الكلام في الفرق بين الحس والعلم في عدد فراجع.
الفرق بين الادراك والعلم
أن الادراك موقوف على أشياء مخصوصة، وليس العلم كذلك، والادراك يتناول الشيء على أخص أوصافه وعلى الجملة والعلم يقع بالمعدوم ولا يدرك إلا الموجود، والادراك طريق من طرق العلم، ولهذا لم يجز أن يقوى العلم بغير المدرك قوته بالمدرك. ألا ترى أن الانسان لا ينسى ما يراه في الحال كما ينسى ما رآه قبل.
الفرق بين الوجدان والادراك
أن الوجدان في أصل اللغة لما ضاع أو لما يجري مجرى الضائع في أن لا يعرف موضعه، وهو على خلاف النشدان فأخرج على مثاله يقال نشدت الضالة إذا طلبتها نشدانا فاذا وجدتها قلت وجدتها وجدانا فلما صار مصدره موافقا لبناء النشدان إستدل على أن وجدت هاهنا إنما هو للضالة، والادراك قد يكون لما يسبقك ألا ترى أنك تقول وجدت الضالة ولا تقول أدركت الضالة وإنما يقال أدركت الرجل إذا سبقك ثم اتبعته فلحقته، وأصل الادراك في اللغة بلوغ الشيء وتمامه ومنه إدراك الثمرة وإدراك الغلام وإدراكك من تطلب يرجع إلى هذا لانه مبلغ مرادك ومنه قوله تعالى \" قال أصحاب موسى إنا لمدركون \" والدرك الحبل يقرن بحبل آخر ليبلغ ما يحتاج إلى بلوغه، والدرك االمنزلة لانها مبلغ من تجعل له، ثم توسع في الادراك والوجدان فاجر يا مجرى واحدا فقيل أدركته ببصري ووجدته ببصري ووجدت حجمه بيدي وأدركت حجمه بيدي ووجدته بسمعي وأدركته بسمعي وأدركت طعمه بفمي ووجدت طعمه بفمي وأدركت ريحه بأنفي ووجدت ريحه بأنفي، وحد المتكلمون الادراك فقالوا هو ما يتجلى به المدرك تجلي الظهور ثم قيل يجد بمعنى يعلم ومصدره الوجود وذلك معروف في العربية ومنه قول الشاعر: محاولة وأكثرهم جنودا وجدت الله أكبر كل شيء أي علمته كذلك إلا أنه لا يقال للمعدوم موجود بمعنى أنه معلوم وذلك أنك تسمى واجدا لما غاب عنك فإن علمته في الجملة فذلك في المعدوم أبعد وقال الله تعالى \" يجد الله غفورا رحيما \" أي يعلمه كذلك وقيل يجدونه حاضرا فالوجود هو العلم بالموجود، وسمي العالم بوجود الشيء واجدا له لا غير وهذا مما جرى على الشيء ثم ما قار به وكان من سببه، ومن هاهنا يفرق بين الوجود والعلم.